التنبؤ بآثار التغير المناخي على مياه القطب الجنوبي
Jul 08, 2015
تعد العوالق النباتية التي تتمثل في نبات الفيلق وحيد الخلية المتجول من محيطات الكوكب بمثابة الأسس الخفية للبحر والسماء. حيث تُشكل أساس العديد من الشبكات الغذائية البحرية كما أنها تعد من منتجات الأكسجين الهامة واسفنجات حقيقية لامتصاص الكربون.
وتنتج العوالق النباتية والنباتات البحرية 50 في المئة من الأوكسجين في العالم من خلال عملية التمثيل الضوئي. وتلعب العوالق النباتية أيضًا دورًا محوريًا في قدرة المحيطات على نقل ما يقدر بنحو 5 إلى 15 جيجاطن من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي من السطح إلى الداخل في كل عام.
وعلى الرغم من ذلك فإن العوالق النباتية ضعيفة وتتلف بسهولة عند التعرض إلى أشعة الشمس فوق البنفسجية بشكل مفرط. وبما أن درجات الحرارة العالمية الأكثر دفئًا تجلب عواصف أقوى وأكثر تواترًا، فإن العوالق النباتية تنتقل نحو السطح في كثير من الأحيان مما يزيد من تعرضها إلى الأشعة فوق البنفسجية التي تضر بالحمض النووي. ولا تقوم العوالق النباتية التي تعرضت لحرق الشمس بعملية البناء الضوئي بشكل ملائم مما يؤدي إلى خفض قدرتها على تحرير الأكسجين وامتصاص الكربون. ولذلك تأثير عالمي مضر في ضوء الأبحاث التي تشير إلى أن دورة الكربون في المحيطات قد تتخلص من نصف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الموجودة في الغلاف الجوي التي ينتجها الإنسان.
درس عالم الأحياء الضوئية بات نيل بسميثسونيان عملية التمثيل الضوئي في العوالق لأكثر من 30 عامًا، في مركز سميثسونيان للأبحاث البيئية بخليج تشيزبيك في ميريلاند إلى جانب المياه المحيطة بالقارة القطبية الجنوبية. وقد ساعدت أعماله في وضع خط أساس حول كيفية تأثير التعرض لمستويات مختلفة من الأشعة فوق البنفسجية على الحد من أنظمة التمثيل الضوئي في العوالق النباتية أو منعها، ومن ثم على فاعليتها في إنتاج الأكسجين وامتصاص الكربون.

يقول بات "تحظى الأقطاب باهتمام كبير من الأشخاص الذين يهتمون بتغير المناخ العالمي لأنها أول المناطق المتأثرة بهذا التغير نظرًا لتواجدها على حافة الكرة الأرضية"، "وستؤثر التغيرات المناخية على هذه المناطق أولًا. وقد وُجِهَت تجاربنا نحو الحصول على فكرة أفضل عن كيفية تأثير الأشعة فوق البنفسجية على العوالق النباتية القطبية وإنتاجيتها في القطب الجنوبي".
وتحتل العوالق النباتية طبقة ضيقة نسبيا تحت سطح المحيط تتفاوت في العمق من بضعة أمتار في المياه الساحلية العكرة حتى مئات الأمتار في وسط المحيط. وأغلب هذه الطبقات عميقة بما يكفي لحمايتها من الأشعة فوق البنفسجية. وتعد عمليات الخلط بالمحيطات أو المخض الرأسي للمياه العميقة عندما تهب الريح عبر سطح الأرض من العمليات البحرية الطبيعية وتتكيف العوالق لإصلاح المستويات المعتدلة من الضرر المترتب على التعرض المنتظم للأشعة فوق البنفسجية. ولكن نظرًا لما ترتب على تغير أنماط الطقس وعمليات الخلط بالمحيط من رفع العوالق إلى السطح في كثير من الأحيان، فقد صارت آليات التمثيل الضوئي والإصلاح التي تتميز بها العوالق ضعيفة.
وأوضح بات قائلًا "إذا حدثت عمليات التقليب بصورة متكررة بحيث لا يكون هناك وقت كاف للتعافي قبل أن يحدث تعرض آخر للأشعة فوق البنفسجية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة تأثير التثبيط الضوئي"، "وتسمح نماذج الحاسوب الفائق لنا بمحاكاة الحركة التي تحدث في طبقة السطح المختلطة بشكل واقعي جدًا حيث تسكن العوالق بشكل لا نستطيع محاكاته في الحياة الواقعية لأننا لا نستطيع تحديد ماهية العوالق النباتية لنرى ما يحدث للخلايا الفردية".
وقد قام بات بتطوير جهاز تجريبي يعرف بجهاز التثبيط الضوئي وذلك بالشراكة مع جون كولين ومايكل ليسر في معمل بيغيلو لعلوم المحيطات في بوثباي هاربور، مين. ويعرف ذلك الجهاز في جميع أرجاء العمل باسم "الوحش"، حيث يُعَرِض 120 عينة مختلفة من العوالق النباتية في نفس الوقت إلى مستويات مختلفة من الإشعاع فوق البنفسجي—حيث أن الطرق السابقة كانت تسمح بتعرض كمية قليلة فقط من العينات إلى الإشعاع في المرة. ومن خلال مزيد من التكرار، قام نيل بإنشاء قاعدة بيانات كبيرة تتألف من التأثيرات المعروفة للتعرض للإشعاع فوق البنفسجي يستطيع هو وغيره من الباحثين مقارنتها بالقياسات الميدانية. ومن أفضل الأماكن التي يمكن البحث فيها عن العوالق النباتية هو مكان يعد من أكثر البيئات القاسية على كوكبنا وهو: القطب الجنوبي.

وقد كانت هذه القارة المتجمدة ومحيطاتها مقصدا للأبحاث الدولية المتعلقة بالعوالق النباتية لفترة طويلة. ونظرًا لاحتواء المياه هناك على بعض أعلى تركيزات العوالق النباتية على مستوى العالم بسبب تراكم النيتروجين والفسفور والحديد الناتج عن تيارات المحيطات العالمية، فقد صُنفت بموجب معاهدة دولية كإحدى أصول البحث العلمي. وتنتج أزهار العوالق الموسمية كميات كبيرة من الأكسجين فضلًا عن أنها تمتص كميات مساوية من الكربون.
بدءًا من محطات البحث في نيوزيلندا وشيلي والأرجنتين إلى جانب أبحاثه على متن كاسحة الجليد التابعة للمؤسسة الوطنية للعلوم ناثانيل بي بالمر،كان بات ولا يزال يقوم بجمع العينات وإجراء الأبحاث على بحر روس بالقطب الجنوبي منذ التسعينيات. وقد أضافت بعثته الاستكشافية الجديدة عام 2006 طبقة أخرى من النتائج الميدانية التي أتاحت، إلى جانب العمل المعملي المستمر، تطوير النماذج الرياضية التي يمكنها أن تتنبأ بالمستويات المختلفة لنشاط العوالق النباتية من خلال استخدام قياسات مستويات الأشعة فوق البنفسجية في الغلاف الجوي فقط.
هناك على متن بالمر، استطاع علماء من عدة دول أخرى أن يستخدموا ثلاث من أدوات التثبيط الضوئي التابعة لبات لإجراء الأبحاث من أجل دراساتهم الخاصة. ويعد استمرار التعاون بين العلماء من كل دول العالم أمرًا ضروريًا لإجراء أبحاث مثل تلك التي أجراها بات، والتي كان لها آثار عالمية فعلية.
“قال بات "يساعد عملنا في [القارة القطبية الجنوبية] على إنشاء نماذج من شأنها إبراز أنواع إنتاجية العوالق النباتية التي نتوقعها لسيناريوهات مختلفة من تغير المناخ"، "ويعد البحث فيما يتعلق بتغير المناخ العالمي بمثابة التزام دولي متأصل كما أن التعاون الدولي ضروري لأي شخص للعمل في القارة القطبية الجنوبية".
وتُعرف قدرة العوالق النباتية وغيرها من أشكال الحياة النباتية البحرية على إزالة الكربون من الغلاف الجوي كمضخة كربون بيولوجية، وهي إحدى العمليات الكيمائية والبيولوجية المتعددة التي تتفاعل لدفع دورة الكربون في المحيط. ولإزالة وعزل الكربون، تعمل العوالق النباتية على سحب ثاني أكسيد الكربون المنحل خارج مياه البحر وفصل جزيئات الأكسجين عن جزيئات الكربون. وتُطلق النباتات الأكسجين ولكنها تستخدم جزيئات الكربون للحفاظ على الهياكل الخلوية وتجديدها. ويتحرك بعض الكربون إلى أعلى السلسلة الغذائية حيث تقوم الحيوانات باستهلاك العوالق، ولكن اغلبها يسقط إلى قاع البحر كفاقد.

"يمتص المحيط ثاني أكسيد الكربون ولكنه يذوب تمامًا في الماء. وحتى لو تمكنا من خفض نسبة ثاني أكسيد الكربون بطريق سحرية في الغلاف الجوي، فسوف يقوم المحيط بإعادة ملأه". وأردف بات قائلًا "والطريقة الوحيدة لسحب ثاني أكسيد الكربون خارج المحيط هي وضعه في شيء ما من شأنه أن يغرق ويُدفن في الرواسب".
ولكن بما أن مستويات ثاني أكسيد الكربون ترتفع في الغلاف الجوي وكذلك حموضة المحيط فقد يحد ذلك بشكل أكبر من قدرة العوالق النباتية على إزالة ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي. تساعد أبحاث بات على تسليط الضوء على العوامل التي قد تسهم في تخفيض دورة الكربون في المحيطات.
وقد قال بات موضحًا "تعد استجابة العوالق النباتية في المحيط هامة جدًا وذلك لأنها متضمنة في دورة الكربون التي تساعد على تنظيم الغلاف الجوي". "وسوف ينجم عن أي تغيير في إنتاجية العوالق النباتية بعض العواقب. ونحن لا نعلم بالضبط هذه التغييرات ولكن تعمل مساهمتنا على تحسين الإدراك فيما يتعلق باستجابة العوالق النباتية للعوامل المختلفة".