التحرر من العبودية، بحث عن حطام سفن الرقيق من أجل بناء روابط مبشرة جديدة
Jan 12, 2016
في عصر العبودية الاستعماري كان هناك الآلاف من السفن مليئة بالبؤس والشقاء عبر المياه في أعالي البحار. وكان من بين تلك السفن، السفينة التي عرفت باسم São José-Paquete de Africa، والتي غادرت من إحدى الموانئ بجزيرة موزمبيق متجهة إلى البرازيل. لقد كانت هذه السفينة ضمن آلاف من السفن التي تتجه إلى العالم الجديد محملة بسلع بشرية، تلك التجارة التي بيع من خلالها قرابة 12 مليون شخص في فترة تربو عن 350 عامًا.
لم يمض على انطلاق السفينة ساو خوسيه سوى أسابيع قليلة حتى اصطدمت بالصخور على مسافة 100 متر من الساحل بالقرب من كيب تاون، جنوب إفريقيا. لقى ما يزيد عن 200 من أصل 400 من الرقيق الذين كانوا على متن هذه السفينة حتفهم جراء الموجات العنيفة التي سببتها الشعاب المرجانية الخفية. ومن نجا منهم واستمر على قيد الحياة تم بيعه مجددًا.

ونتيجة مرور أكثر من 200 عام على غرق السفينة سان خوسيه وإهمالها، فقد واجه حطام السفينة المصير ذاته الذي واجهته قرابة 1000 سفينة أخرى اختفت خلال سنوات تجارة الرقيق. ولكن الفريد في الأمر أن هذه السفينة غرقت في الأيام الأولى من رحلتها، وهي أول سفينة على الإطلاق يتم توثيقها أثريًا كان على متنها رقيق أثناء غرقها.

ثمة جهود تعاونية جديدة بين المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية التابع لمؤسسة سميثسونيان وشراكة عالمية كبيرة تساعد في كشف بعض الحقائق المفقودة. يهدف مشروع حطام سفن الرقيق (SWP) إلى دعم المجال المتنامي للآثار البحرية وإقامة شراكات بين الجهات المعنية المحلية والوطنية والدولية من خلال التركيز على اكتشاف سفن الرقيق ودراستها.
وفي هذا الصدد يعرب بول جاردولو القيم في المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية والباحث في التراث والذاكرة الثقافية، وأحد الممثلين الرئيسيين في شراكة المتاحف في مشروع حطام سفن الرقيق قائلاً "عندما يتحدث الأشخاص عن الرقيق، فإنهم في الغالب يتحدثون عن قرابة 12 مليون شخص". "يمكن أن يجعل هذا التاريخ يبدو غير حقيقي. غير أن اكتشاف السفينة ساو خوسيه يجعل هذه القصة المثيرة واقعية."
يُسهم مشروع حطام سفن الرقيق في إضافة آراء ووجهات نظر عالمية إلى قصة الرقيق. ومن خلال زيادة المعرفة بالتأثيرات التاريخية والثقافية لتجارة الرقيق العالمية عن طريق استكشاف سفن الرقيق الغارقة وفحصها ودراستها، يقدم المشروع نموذجًا مبتكرًا لكيفية عمل المتاحف والمؤسسات الثقافية والتراثية على نطاق واسع وبشكل فعال وتعاوني في القرن الحادي والعشرين.
ويضيف بول "إننا نريد دعم هذا المجال." "يجب الاستفادة من الأشخاص فيما يتعلق بتاريخ المجتمعات التي يعيشون بها. لقد أدركنا الحاجة الماسة إلى بناء قدرات في دول بعينها مثل جنوب إفريقيا وموزمبيق من أجل تنفيذ هذا العمل باحترافية، إضافة إلى بناء قدرات مؤسسية لإظهار هذا العمل وإبرازه.
يشارك في هذا المشروع ستة شركاء رئيسيين منهم المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية التابع لمؤسسة سميثسونيان ومتاحف إزيكو بجنوب إفريقيا ووكالة . خدمات المتنزهات الوطنية الأمريكية ووكالة الموارد التراثية الجنوب إفريقية, ومجلة Diving With a Purpose , و المركز الأمريكي للأنشطة التراثية وقد ركز المشروع في المقام الأول على جنوب إفريقيا.
وفي عام 2015، أكد فريق مشروع حطام سفينة الرقيق على اكتشاف السفينة ساو خوسيه والتوثيق الأثري الأول من نوعه لحطام سفينة رقيق كانت تحمل على متنها أشخاص عند غرقها. وكي يتسنى اكتشاف السفينة بذلت الجهات المتعاونة جهودًا غير مسبوقة لإجراء الأبحاث وتقديم الدعم والتعاون.

وحتى وقت قليل، لم يتم التركيز بشكل كبير على اكتشاف حطام سفينة الرقيق، فقد كان التركيز الأكبر لأنشطة حطام السفن بخصوص الباحثين عن الكنوز الذين يسعون لاقتناص الغنائم أو الأكاديميين الباحثين عن السفن العسكرية والتجارية. وقد حاول مشروع حطام سفن الرقيق، الذي أطلقه الباحث في جامعة جورج واشنطن ستيفن لوبيكمان وديف كونلين، رئيس مركز الموارد التراثية الغارقة التابع لوكالة خدمات المتنزهات الوطنية وجاكو بوشوف من متاحف إزيكو على أنه إحدى مشاريع حطام سفن الرقيق الجنوب إفريقية عام 2008، تغيير ذلك المفهوم المذكور للتو.
كما حملت ساو خوسيه مرة واحدة العبيد من موزامبيق إلى البرازيل ومواقع أخرى بين ذلك، فقد ربطت الأبحاث بين هذه الأماكن ولكن كانت تهدف إلى إدراك القيمة الثقافية والتاريخية للسفينة وقصصها. وقد اتسع الحوار حول العبودية ليشمل منظورات جديدة كانت غائبة سابقًا.
ثمة شبكة كاملة من العمليات التعاونية العابرة للأطلسي أخذت في الظهور بدءًا من محاولة أمناء الأرشيف الموزمبيقيين والبرتغاليين التنقيب في مواردهم الخاصة للبحث في تاريخ السفينة، وحتى محاولة الباحثين البرازيليين ربط الأسماء والانتماءات العرقية المسجلة للرقيق الذين وصلوا إلى البلاد بعد حادثة السفينة ساو خوسيه. هذا وقد ساهمت الشراكات المنعقدة في إيجاد فرص جديدة للتدريبات المهنية في مجال الآثار البحرية والأبحاث الأنثروبولوجية القائمة على المجتمع وحفظ النتاج البشري وتعليم العامة - وجميعها أمور تتعلق بهذا الاكتشاف الفريد.

“وصرح بول قائلًا "بفضل, ساو خوسيه، تمكنا من توصيل باحثين من البرازيل إلى المناطق الداخلية من موزمبيق"، وأردف قائلًا "وبمرور الوقت، لن يكون ذلك مقنعًا فقط بالنسبة للجمهور ولكن سيكون أيضًا بمثابة مساهمة كبيرة في البحوث العلمية في هذا الموضوع".
وبالإضافة إلى ذلك، فإن العرض العلني لهذا التاريخ وتفسيره عبر مجموعة متنوعة من المنصات يوفر فرصة للأشخاص من جميع أنحاء العالم لخوض التجربة والتعرف على أجناس حقيقية من عصور ماضية لعبت دورًا أساسيًا في تشكيل تاريخ العالم.
وفي هذا السياق صرح مدير المتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية لوني بانش قائلاً "ربما يكون أكبر الرموز المتبقية لتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي هو مشهد السفن التي حملت ملايين البشر من الأفارقة المأسورين عبر الأطلسي دون رجعة. "لقد حظت السفينة ساو خوسيه باهتمام بالغ إذ أنها كانت ضمن المحاولات الأولى لإحضار الأفارقة من شرق إفريقيا لاستخدامهم في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، - وهو التحول الذي لعب دورًا جوهريًا في إطالة عمر هذه التجارة المأساوية لعقود."
نجح المشروع منذ عام 2012 في توسيع نطاقه ليعكس الانتشار والأثر العالمي لتجارة الرقيق. تفحص الجهات المتعاونة بالمشاريع الأخرى في الوقت الراهن مواقع حطام السفن المحتملة في الأمريكيتين والكاريبي وغرب وشرق إفريقيا والمحيط الهندي. ومن الجدير بالذكر أن الآثار المتبقية من السفينة ساو خوسيه ستُعرض في افتتاح المبنى الجديد للمتحف الوطني للتاريخ والثقافة الأمريكية الإفريقية في ناشونال مول.
ويضيف بول قائلاً "إن هذه الشبكة العريضة هي بمثابة المنارة الهادية لنا وتُسهم في تحقيق الترابط بيننا وبين أشخاص ومجتمعات لم نكن نتوقع أن تربطنا بهم علاقة". "ولن يتسنى لنا بدون هذه الشبكة العريضة من الدراسات الوصول إلى هذا المستوى من المعلومات. تتميز مجموعة مشروع حطام سفن الرقيق بالتفاني في عملها ولا تهدف إلى ربط عملها بالماضي فحسب ولكن تسعى إلى تحقيق الترابط مع الحاضر والمستقبل كذلك، وتلعب هذه المؤسسات العامة دورًا مهمًا في مساعدة العديد من المجتمعات المختلفة في الاستماع إلى هذه القصص ومعرفتها."